لتكن لا إرادتي بل إرادتك

«اسكتوا» .. نقرأ هذا التحريض على السكوت، المرات الكثيرة في الكتاب
المقدس. والكلمة تؤدي نفس المعنى الذي تؤديه كلمة ”اصمتوا“. أو بمعنى آخر
يقصد بها الهدوء ووضع اليد على الفم. «تكلموا في قلوبكم على مضاجعكم
واسكتوا» ( مز 4: 4 )، «كفوا واعلموا أني أنا الله» ( مز 46: 10
). وهذه من أرقى درجات الإيمان الحقيقي والثقة غير المتزعزعة في الله. فلا
شكوى ولا تذمر ولا تساؤل ولا ارتياب، بل تسليم قلبي كامل وثقة تامة كثقة
الأطفال؛ ثقة في أن الكل بين يديه ـ له كل المجد ـ وهاتان اليدان
لا تُخطئان على الإطلاق. هكذا يجب أن يكون في هذه الأيام الصاخبة؛ أيام
الفوضى والشر المتزايد. إن الإيمان يعرف أن قوة الله هي الأعظم، وحكمة
الله لا تخيب، ومواعيد الله لا تسقط، ورحمة الله إلى الأبد، ومقاصد الله
وتدبيراته لا يلحقها الفشل، وموكب نُصرة المسيح لا يُعاق ولا يُعترض سبيله
بل سينتصر الله في النهاية حتمًا. إذًا نضع أيدينا على أفواهنا وليس لنا
ما نقوله، بل نثق فقط فيه وفي كلمته، وبذلك نُكرم الله جدًا.


وهكذا الحال في الحياة الفردية فتجري الأمور بما يسميه الناس
”مصائب“، وكلمة مثل هذه يجب أن يخلو منها حديث المؤمن الحقيقي. فقد تتعاقب
الأحداث واحد بعد الآخر كما كان قديمًا في حياة أيوب، وأولاد الله يغلب أن
يكون من نصيبهم المضايقات والخسائر والأحزان والتجارب والبلايا. وغالبًا
ما تكثر هذه في حياة أولئك الذين يسلكون بالتقوى في القُرب من الله. ولكن
مع هذه كلها تأتي أيضًا الفرصة لإكرام الرب بالإيمان الذي يصمت ويكف عن أن
يقول شيئًا. وأروع تعبير في هذا المجال ما نطق به أيوب «هوذا يقتلني. لا
أنتظر شيئًا. فقط أُزكي طريقي قدامه» ( أي 13: 15 ).



لكن الأروع والأعظم من هذا، ما جاء على لسان الرب في البستان عندما قال:
«لتكن لا إرادتي بل إرادتك». فيا له من خضوع مقدس، لنا أن ننسج على منواله
بنعمة الله. فلنتعلم هذا الدرس كل يوم؛ لنتعلم السكوت، ولنكف عن الكلام،
وحينئذٍ سلام كالنهر الجاري سيكون من نصيبنا، السلام الذي يفوق كل عقل؛
السلام الذي يحفظ ويسند، السلام الذي يأتي بالترنم في الليل.